في قلب ربيع سنة 1453 ميلادية، وُلد الفتى ألفونسو بن جونزالو دي ألبوكيرك في الإسكندرية القريبة من لشبونة، لعائلة أرستقراطية امتزج فيها دم النبلاء بجرأة البحّارة. تربّى في أروقة القصر الملكي، حيث نهل علوم الرياضيات واللاتينية وصادق أمراء العائلة الحاكمة، فترسّخت في نفسه مبادئ الشجاعة والإقدام منذ الصغر .
بعد سنوات من التدريب العسكري في شمال أفريقيا، انطلق ألفونسو في عام 1503 أولى حملاته صوب المحيط الهندي، حاملاً حلم إغلاق المنافذ البحرية أمام أعداء البرتغال. أبدع في استراتيجياته، ففرّق جيوش المنافسين وأبرم تحالفات قوية مع أمراء محليين، حتى تمكن عام 1510 من اقتحام غوا وتأسيس قاعدة حصينة فيها، لتكون شاهدةً على ولاء المحيط الهندي لراية مملكة «فيدالغو» .
وبعزيمة لا تلين، استعد ألفونسو لحملته الفاصلة نحو ملقة سنة 1511. قاد أسطوله المكون من مئات الجنود البرتغاليين والمرتزقة الهنود، ووصل إلى شواطئ المدينة محمولاً على رذاذ المدافع ومدهشاً أهلها بخططه البديعة. بسط السوط البحري على الميناء، وأجبر السلطان على الانسحاب، فاتحاً الطريق لإنشاء حصن «أ فاموسا» الذي حدّ من مقاومة السكان وضمّ ملقة لشبكة القلاع البرتغالية .
لم يتوقف طموح ألفونسو عند هذا الحدّ؛ فقد أرسى شبكته الدفاعية في الجزيرة الذهبية، وتبعها بفتح هرمز في الخليج العربي عام 1515، مُقسماً السيطرة البحرية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج. ورغم نجاحه المبهر، ضربته مكيدة في البلاط الملكي، فنُقل من منصبه وعاد مريضاً يفارق الحياة في غوا في 16 ديسمبر 1515، تاركاً إرثاً من الحصون وسمعة «أسد البحار» الذي سُمي به .
بهذه البطولة والعزيمة اللامتناهية، يظل ألفونسو دي ألبوكيرك رمزاً لمن سعى لربط العالم بشبكة من الأمان البحري، وفتح آفاقاً لرحلات التبادل بين القارات.